وثائق العربية : النشوء والارتقاء
كتبهامدونة تــــــراث ، في 16 فبراير 2010 الساعة: 08:22 ص
هذا المقال ارسل الي عبر
البريد الالكتروني في الوقت الذي كنت قد حصلت فيه علي منحة بدار الوثائق
المصوية عن اهمية البحث في مصادر المعرفة التاريخية .
ولذا كان من الضرورة ان انقل هذا المقال الي مدونتي والتي وهبتها لدار الوثائق المصرية لتوضيح مدي الاهمية التي يحملها هذا الدار . وقد لمست من خلال قراءته مدي الاهمية العظمي للوثائق التي كانت المحك والناقل الرسمي للحضارات وتفاعلها،
============
الاســــم : محمد محمود مكاوي
عنوان البحث : الوثائق العربية ذاكرة وحجة : مرحلة النشوء والارتقاء
بحث مقدم لجامعة القاهرة كلية الاداب قسم الوثائق والمكتبات 2007
المحتـــويات
اولاً : تـاريـخ الوثيـقة العـربية
ثانيًا : تعريفها وانواعها واشكـالها
ثالثًا : اهمـية الوثيـقة العــربية
تقـــديم :
تتميز الوثائق العربية عن غيرها من وثائق الامم الاخرى بأنها ذات مصداقية عالية وقد اشاد بذلك معظم مستشرقي الغرب حيث استندوا الى المصادر العربية في استقاء العلوم وتحليل العديد من المصادر باعتبارها مرجعًا سليمًا يخلوا من التحريف ، والتاريخ العربي الإسلامي يفخر بما يمتلكه من كنوز المعرفة ومفاتيح العلوم ، وقد اهتم العرب منذ القديم بالبحث العلمي وبالوثيقة والتوثيق ووضعوا أسساً علمية ثابتة لدراسة الوثيقة لكونها عاملاً فعالاً في خدمة الحضارة الإنسانية وذاكرتها الواعية ورسالتها للأجيال والحضارات الأخرى .
وبعد التوسع الهائل في الانتاج الفكري الإنساني وما تمخض عنه من كتب ونشرات ودوريات وأبحاث غيرهما من النتاج الفكري الإنساني الذي فاق الملايين بل المليارات من المعلومات ، أصبح هناك حاجة ماسة لترتيب هذا النتاج الهائل من الفكر، وعندما بحث المختصين بجزئية هذا الترتيب وصلوا لقناعة بان ترتيب وتصنيف هذا النتاج لا بد منه وعندما توغلوا بهذا الترتيب اكتشفوا بأن عليهم الغوص والتعمق بجزئيات لم يتطرق لها احد من قبل، لذلك أوجدوا ما يعرف ألان باسم التوثيق الذي يقوم به متخصصون لكي يوفروا لنا ما نريده من معلومات قد يتطلب البحث عنها فترات طويلة وقد نجدها بين ثنايا الكتب والمجلدات والبحوث المتخصصة أولا نجدها وفق العرف البحثي التقليدي، وأيضا فرضت الحاجة على العلماء بأن يقوموا بما عرف لاحقا بالتحليل، أي تحليل هذه البيانات لكي يستنبطوا منها ما يساعدهم على استرجاع هذا الكم الهائل من المعلومات والبيانات. (*)
العنصر الاول : تاريخ الوثيقة العربية (1)
تنطلق اهمية الوثائق من كونها أداة لحفظ التراث ونقله للأجيال ، فالعرب كانوا قبل الإسلام أميين لايعرفون غير كتب الدين بدليل أن القرآن الكريم قد أطلق على أصحاب الديانات السماوية الأخرى اسم أهل الكتاب، حتى إن الشعر كان يتناقل شفاهاً ولم يدون إلا نادراً (كالمعلقات مثلاًً)ولهذا فإن تاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين لم يبدأ فعلياً إلا مع انطلاق الدعوة الإسلامية وإن نزول القرآن الكريم هوالحدث الأهم الذي أحدث انعطافاً عظيماً في العقائد والمعارف الإنسانية كلها ، وقد كان القرآن الكريم أول كتاب ظهر باللغة العربية ، اهتم المسلمون بتدوينه وضبط آياته حتى لايلحن فيه غير العرب من المسلمين ، فكان هذا الأمر، إضافة إلى الاهتمام بتدوين الحديث الشريف بداية التوثيق في الإسلام•• ثم توالى تدوين وتنظيم المؤلفات العربية بعد الفتوحات الإسلامية حتى شملت مختلف العلوم•
التوثيـق فـي التاريــخ 2)
يشير الدكتور بشار عباس الى ان بدايات التوثيق تعود إلى عصور ما قبل التاريخ ، أي أن بدايات التوثيق سبقت التدوين الكتابي ، ذلك أن التوثيق بمفهومه الواسع ، أي حفظ الأحداث التاريخية و المعلومات العلمية و نقلها إلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها ، ينطبق أيضاً على التناقل الشفاهـي للمعلومات و المعـارف و المهارات ، ولا بد أن نتذكر أن الشعر الجاهلي أسهم في توثيق تاريخ العرب قبل الإسـلام ، وأن ملاحـم هوميروس الشاعر الإغريقي الأعمـى " وثقت " فترة تاريخية كانت غائرة في عمق الذاكرة الإغريقية ، وأن التناقل الشفاهي لملحمتي الأوذيـسة و الإلياذة كان من أول أشكال التوثيق الشفاهي و ذلك قبل تدوينهما بقرون عديدة . و عندما ننظر إلى التوثيق في تاريخ العالم القديم نستطيع أن نلمح أهم محطاته :
* وصلت الحضارتان السومرية و المصرية إلى مستوى عالٍ من الكتابة التصويرية ، التي اسـتوعبت تدوين الشـعر و الطـب والمعتقدات الدينية والعلوم .
* اكتشف المصريون نحو 2500 قبل الميلاد ورق البردي ، و بذلك أصبح من الممكن تبادل الوثائق ، و نقل المعلومات المدونـة من مكان إلى آخر.
* اكتشف السومريون نحو 1700 قبل الميلاد وسـيطاً آخر وهو الكتابة على ألواح فخارية (الرقـم) وسـجلوا عليها بالكتابة المسمارية تاريخهم وعلومهم و مبادلاتهم التجارية ، وذلك بعد أن طوروا كتابتهم التصويرية القديمة إلى كتابة مسمارية .
* ظهرت أولى المكتبات المنظمة والمصنفة في العالم في مصر وبلاد ما بين النهرين في الألف الثانية قبل الميلاد .
* في القرن الثامن قبل الميلاد ظهرت في سـورية أول أبجدية فتحت الطريق أمام الانتشار الواسع للكتابة في العالم القديم ، وأثرت على الأبجدية اليونانية والتي انطلقت منها فيما بعد الأبجدية اللاتينية.
* في الفترة ( 1450- 1456 ) م أخرجت مطبعة يوحنا غوتنبرغ أول كتاب مطبوع يتكون من 42 سطراً من الإنجيل ، مما منح البشرية إمكانية النشر الواسع للنصوص المكتوبة.
* في القرن التاسع عشر ظهر نظام تصنيف ديوي Melvil Dewey، وهو أشهر و أهم نظم تصنيف المكتبات حتى اليوم .
العنصر الثاني : الوثيقة تعريفها اشكالها انواعها 3)
اتفق العلماء والباحثون على تعريف الوثائق من خلال معنيان كالتالي:-
1- المعنى العام للوثائق: اصطلح على أن الوثائق في معناها العام هي كل الأصول التي تحتوي على معلومات تاريخية.
2- المعني الدقيق للوثائق: اصطلح على أن الوثائق في معناها الدقيق هي الكتابات الرسمية أو شبه الرسمية مثل الأوامر والقرارات والمراسيم والبراءات والاتفاقيات والمراسلات السياسية، والوثائق الشرعية، والكتابات التي تناول مسائل الاقتصاد أو التجارة أوعادات الشعوب أو نظمهم وتقاليدهم أو المشروعات أو المقترحات المتنوعة التي تصدر عن المسئولين في الدولة أو التي تقدم إليهم أوالمذكرات الشخصية أو اليوميات.
1- انواع الوثيقة 5)
أنواع الوثائق وأشكالها تنقسم إلى أربعة أنواع رئيسية وهي كالتالي:
اولا : من حيث المادة:
أ - الوثيقة الكتابية:
لا شك في أن هذا النوع هو الذي يعتد به، ويعتمد عليه لأنه يقوم على واقع ثابت لا يحتاج إلى دراسات مطولة، أو اجتهادات، أو خبرات خاصة قائمة على الترجيح أو التخمين ، ويقصد بالوثيقة الكتابية كل ما دون كمخطوط أو مطبوعة، فالرسالة والدورية في علم التوثيق تعني كل نشرة تحتوي على عدة موضوعات لعدد من الكتاب، أو المحررين ولها اسم خاص هو عنوانها الذي تعرف به، وتظهر بأجزاء متتابعة وفي مدد محددة، ولزمن معين، وتشتمل عادة:
الصحف "الجرائد" والتي تهتم بملاحقة الأخبار المحلية أو الدولية ونشرها، وفي نطاق ذلك تظهر المجلات على تعدد موضوعاتها واهتمامها.
المذكرات وهي ما يدونه المرء سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو عالما أو أديبا أو فنانا، يدونون فيها خواطرهم والأحداث التي عاشوا واقعها، ومحاوراتهم وذكرياتهم.
التقارير وهي صورة لنتائج علمية، أو تحقيقات إدارية أو عرض لواقع صحي، وبعبارة أخرى كل مايشتم منه صفة التقرير.
البيانات وهي ما يعرض فيها وجهات نظر خاصة ومعينة تميط اللثام عن أمر غامض، يحاولون فيها نشر ما ينير أفكار الناس نحو موضوع واحد على الأغلب فيه التأكيد وجهة نظر معينة أونفيها، والبيانات وإن اخذ بها البعض كوثائق لاسيما بعد أن يتقادم عليها العهد وتصبح موضع للدراسات النقدية، لا تعتبر دورية حسب المفهوم الفني لأنها لا تصدر على شكل واحد، وفي زمن محدد أسبوعي، أو شهري، أو فصلي، أو نصف سنوي، وحتى حولي. إن السجل الثقافي الذي يدون عادة النشاطات الفكرية ويسجل الندوات العلمية، والمناظرات الأدبية، والمحاورات السياسية، وهو أيضا إحصائية تثبت تحقيقات عددية، كما هو تقرير رسمي يتناول الحياة الفكرية على أوجهها جميعا وربما كان ولا ريب مجموعة محاضر لجلسات المؤتمرات والاجتماعات، وبعبارة أدق فإن الوثيقة الكتابية هي كل ما يعيين الكشف حول حقيقة تاريخية أو علمية.، و مع التأكيد على إن الوثائق الكتابية مهمة مهما كانت قيمة ما تحتويه إلا إن هناك اختلاف بين الخبراء حول الكتاب والكتيب من حيث قيمتها التوثيقية، فيرى الغالبية منهم إن لا الكتاب والكتيب لا يعتبر وثيقة إلا إذا كان نادرا ومفقودا ويؤكد على ثوابت يقرها العلم ويطمئن إليها العقل.
ب - الوثيقة التصويرية:
هذا النوع من الوثائق في درجة تلي الوثيقة الكتابية والتي تعتبر في علم التوثيق وثيقة مساعدة بمعنى لا يعتد بها وحدها ويعتمد عليها لأن الجوهر فيها موضع ترجيح وتشكيك، ولا ينظر إليها إلا في حال استطاعت أن تنير جانبا من البحث، وهكذا تساعد على التحقيق والكشف، وهي على الغالب: رسم ما نقل بالزيت، أو بالقلم، أو بالفحم، وصورة، أو نقش في الحجر، أوكفت في النحاس، أو تنزيل بالخشب، أو تكوين في الجص، وربما كانت هذه الوثيقة المساعدة صورة شمسية تعين على التحقيق، فالهوية الشخصية، وجواز السفر لا يعتد بهما كوثيقتين في إثبات الشخصية بالرغم من صدورها عن دائرتين رسميتين إلا إذا كان كل منهما يحمل صورة الشخص، والصورة مصدق عليها من مرجع قانوني وممهورة بخاتم الإدارة الرسمية، فالصورة الشمسية جاءت هنا مساعدة للوثيقة الكتابية التي هي الهوية الشخصية، أو جواز السفر.
في ظل هاتين الوثيقتين الهوية الشخصية و جواز السفر، نجد أنهم كثيرا ما يتم تزويرهم، ولكن مع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن الهوية وجواز السفر ليس كل منها وثيقة أصلية، وأخرى مساعدة بالرغم من التزوير الحاصل فيها، لان هذا التزوير يكتشفه عادة علم السجيلوغرافيا " SIGILLOGRAPHY " الذي له كتبه وخبراؤه خريجو مدارسه المتخصصة في علم التزوير والجريمة.ومع الصورة الشمسية فاللوحة أيا كان شكلها، والخيالة "السينما"، أو التلفزة اللتان تحتفظان والى أجيال بحقائق عن معارك وحروب في حال تسجيلا حيا، فهي عندئذ أشرطة وثائقية تعيين على إيضاح جانب كبير من تاريخ ما تعرض له، أما إذا كانت مهيأة في المعامل فلا يعتد بها لاسيما وأنها تعرض وجهة نظر تتفق والمصدر، وعندئذ فلا بد للخصم هنا من أن يصور فيلما آخر ناقضا، وبين الشريطين يمكن التوصل مع الوثائق الكتابية إلى ما تطمئن إليه النفس، ويثق به العقل.
ج - الوثيقة التشكيلية:
تعتبر هذه الوثيقة كسابقتها في إطار الوثائق المساعدة وربما جاءت في منزلة الوثيقة التصويرية لأنها مماثلة لها في كثير من المقومات، وغالبا ما يكون لها قيمة مالية كبيرة خصوصا عندما كون قد صيغت بيد احد المشاهير في العلوم التشكيلية، فالوثيقة التشكيلية في الغالب تشتمل على الآثار المعمارية كقصر الحمراء في غرناطة، ومسجد قرطبة وأهرام الجيزة، وغيرها.
هذه المعالم وإضرابها في أنحاء المعمورة تعتبر من الوثائق المساعدة، إذ تساعد على دراسة حضارات الأمم القديمة، وتحدد مظاهر الرفاه، أو مستوى التدين عندها وربما يتوصل الأثريون في الكشف عن تاريخها إلى نتائج مذهلة في إدارة العمارة ومعرفة أسرارها، والمواد التي استخدمت في إقامتها بعد أن فقدت الوثائقية الكتابية التي خططت لهذه المعالم العظيمة، هذه إذا وجدت في الأصل ، التماثيل ومستوى القدرة الفنية في نحتها ومبلغ عبقرية مبدعيها وطاقتهم. المسكوكات من النقود والميداليات والأوسمة وهي ذات قيمة حضارية كبيرة بخاصة قطع النقود الرومانية والأموية التي ضربت لأول عهد العرب بالتحرر من استخدام النقود الأجنبية.
د - الوثيقة السمعية أو المرئية:
وتدخل هذه الوثيقة أيضا كنوع ممن أنواع الوثائق المساعدة وهي في الغالب تسجيلات صوتية أو إذاعية، أو تسجيل أسطواني، أو شريط سينمائي ناطق.
وكما تشير مدرس الوثائق د. امنية عامر الى نوع اخر من الارشيف(6) الذي يضم الوثائق الشفهية او التاريخ الشفهي Oral History باعتبارها احد مصادر التوثيق الحضارية.
و بالطبع فأن الوثائق الكتابية والتصويرية والتشكيلية لها مظاهر معروفة و مؤكدة ببعض الحقائق والمؤتمنة على معلومات تاريخية أومظاهر حضارية أوقيمة معمارية بالنسبة للأبنية والمعالم، أما الوثيقة السمعية هذه فقد دخلت في مجموعة الوثائق المساعدة مع التطور المعاصر وبعد ظهور الكهرباء وابتكاراتها الصناعية والآلية، ومن ثمة الإلكترونية التي أغنت هذا النوع من الوثائق التي يعتمدها الخبراء في دراسة الغناء ومستوى الصوت وطبقاته عند المغنين حيث ينهضون بدراساتهم النقدية و يجعلون المغنين رتبا ودرجات في ضوء براعتهم في الأداء وخبرتهم وثقافتهم الفنية، في ما ينهض به ألاخرون بدراسة اللهجة الخطابية، أوأسلوب الحوار والنقاش عند رجال السياسة وزعماء العالم فيستندون بذلك إلى دراسة شخصياتهم ومدى تأثيرهم على الجماهير، أو مبلغ براعتهم ونجاحهم في الحوار، وفي ضوء كل ذلك وإلى جانب الآثار المكتوبة التي تركها هؤلاء الكبار يمكن تجسيد حقائق هؤلاء الرجال الأفذاذ من خلال الوثيقة السمعية أو المرئية. لقد دخلت هذه الوثيقة اليوم كل بيت إذ أن كثيرا من العائلات يلذ لها أن تسجل الكلمات الأولى لأطفالهم، خلال مناسبات متعددة ومع تقدمهم في الحياة فتحفظ لهم بذلك تصبح وثيقة غنية بالعبر والعظات.
في ظل ما تقدم نؤكد على أن الوثائق في جوهرها أربع أنواع، الأصلية، وهي الوثيقة الكتابية، والمساعدة وهي الوثائق التصويرية، والتشكيلية أو السمعية وهي كلها إما مدونة بالقلم أومنحوتة بالأزميل، أو نقوشة بالحجر أو مسجلة على أشرطة ممغنطة وهي جميعا وعلى تعدد أنوا عها واختلاف أسمائهم تعيين على التثبت والتحقيق.
ثانيًا : من حيث الشكل7)
أشكال وأنماط الوثائق العثمانية المحفوظة في دور الحفظ في مصر:تتدرج أشكال الوثائق العثمانية المحفوظة لدينا من:
الوثيقة المفردة Document Isoleé
وهي مكتوب مفرد يتضمن تصرفاً أو فعلاً قانونياً واحداً، وهي مكتوبة على الورق، لانتشار استخدامه في ذلك العصر، وكان إما يصنع محلياً أو في الشام أو في أوربا، والعلامات المائية الموجودة على الورق تشير إلى ذلك ، والوثيقة المفردة في العصر العثماني كانت إما لفافة Roll ، وهو القليل النادر في الوثائق التي يقترب تاريخها من نهاية العصر المملوكي، أو مطوية Folded بمقاسات مختلفة وهو الغالب، أو المجلد الدفتري Codex، وتحفظ الوثائق المفردة العثمانية في الأماكن السابق الإشارة إليها، إما داخل كرتون أو على رفوف أو داخل دواليب من المعدن أو الخشب•
السجل Registre:
وهو مجموعة من الوثائق المدونة في شكل دفتري مجلد مخطوط، دونت هذه الوثائق تباعاً يوماً بيوم وشهراً بعد شهر وسنةً بعد سنة، ويمثل هذا السجل نشاط الجهة التي أصدرته في فترة زمنية من حياتها•
وعادةً يشتمل السجل على نسخ للوثيقة الأصلية المفردة، قيدت بالسجلات إما موجزة مختصرة أو كاملة، وفي مصر مجموعات ضخمة من السجلات والدفاتر التي ترجع إلى العصر العثماني لكل الدواوين والمحاكم والجهات الإدارية محفوظة بأماكن الحفظ المختلفة السابق الإشارة إليها•
الدوسيه أو المحفظة Dosier or Carion:الدوسيه وحدة من وحدات حفظ الوثائق أكبر من الوثيقة المفردة وأصغر غالباً من السجل، وهو عبارة عن عدة وثائق مفردة جمعت معاً في دوسيه أو ملف أو محفظة ذات أربطة، وتدور كلها حول موضوع واحد، أو حادثة أو سنة• وتوجد هذه النوعية من الأشكال للوثائق العثمانية المحفوظة في دار الوثائق القومية، وقد تضم المحفظة أكثر من دوسيه أو ملف•
الوحدة الأرشيفية المتكاملة Fonds d’archeives:
وهي كل الأشكال المشار إليها (وثائق مفردة ـ سجلات ـ دوسيهات •••إلخ) المدونة الناتجة عن نشاط جهةٍ ما، وقد أودعت في تلك الجهة أو لدى أحد موظفيها المختصين، وهي كيان عضوي نما وكبر وانتهى بحكم ممارسة الجهة لأنشطتها واختصاصاتها.
والوحدات الأرشيفية المتكاملة في العصر العثماني محفوظة بدور الحفظ المشار إليها، وهي تنتمي للنظام القضائي (سجلات المحاكم العثمانية)، والنظام المالي (المالية والرزنـامة والدفتردار)، والنظام الاقتصادي (الجفالك والزراعة والمساحة وتعداد النفوس) ••• إلخ•
الوديعة الأرشيفية أو المتكاملات المنظمة Depôt d’archives :
هي مجموع المتكاملات التي تمثل أنشطة جهات معينة معاصرة تنتمي لنظام معين، مثل المتكاملات الأرشيفية للمحاكم العثمانية تمثل الوديعة الأرشيفية للقضاء في العصر العثماني، والمتكاملات الأرشيفية للديوان الدفتري والمالي، والرزنامة تمثل الوديعة الأرشيفية للنظام المالي ••• وهكذا وتوجد هذه الودائع محفوظةً في دار الوثائق القومية في القاهرة، وهي خصبة في تنوعها وخصائصها ومعلوماتها.
ثالثًا : من حيث الموضوع(7)
من أهم أنواع الوثائق العثمانية بشقيها العامة والخاصة، تلك الوثائق التي تشتمل على معلوماتٍ مهمة وجديدة لموضوعات لم تُدرس من قبل، بل وتأتي بالجديد دائماً عن تاريخ مصر في تلك الحقبة الهامة التي تنعدم فيها المصادر الروائية أو تكاد• وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد هنا بعض الأنواع المتميزة من هذه الوثائق:
وثائق التدبير: وهي نوع من الوثائق الخاصة التي تشتمل على تصرف قانوني بإرادة واحدة وهو التدبير، وهو العتق بعد وفاة العاتق، وهو من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ويتم بالعبارات الصريحة ، وقد تميزت هذه الوثائق بمعلومات وفيرة وجديدة عن المدبرين من العبيد البيض والسود النساء والرجال، ونظام التدبير والمستولدة، والأعيان الموصى لهم بها من قبل سيدهم كالمجوهرات والأسلحة وغيرها
وثائق الوديعة: وهي تتضمن معلومات عن نظام الوديعة وأركان هذا العقد وشروطه وكيفية ردها أو ضياعها والإجراءات المتبعة في ذلك طبقاً لما جاء في القرآن الكريم من نصوص والسنة النبوية الشريفة، كما أنها لها قيمة كبيرة للغاية في الدراسة المقارنة لتمييز الوديعة عن العقود الأخرى مثل القرض والعارية ورهن الحيازة وغيرها
أوامر التعيين والعزل للقضاة والكتاب والعدول بالمحاكم العثمانية: وهي نوعية من الوثائق العامة• وهي ذخيرة من الوثائق المقيدة في سجلات المحاكم ومجموعة وثائق الواحات، تتضمن معلوماتٍ وفيرة عن أسماء القضاة والكتاب وقضاة العسكر ونوابهم وألقابهم ومدد تعيينهم وعزلهم وسفرهم وترحالهم وحجمهم ودرجاتهم وغيرها من الأمور الهامة التي تتعلق بنظام القضاء في العصر العثماني كله
العنصر الثالث : أهيمة الوثائق العربية(8)
الوثائق شواهد حقيقية دامغة على حضارات مرت واندثرت وأخرى استمرت في التطور والنشوء. فالوثائق أدّت دوراً هاماً وحساساً في مختلف مراحل الحضارة الإنسانية، ولعلنا نعرف عن الحضارات التي مرت بها البشرية أو نعرف جزءاً منها. ومما لا شك فيه بأن الحضارات قد تفاعلت مع بعضها تفاعلاً حقيقياً فالحضارات القديمة في الشرق تفاعلت مع الحضارات القديمة في الغرب والشمال والجنوب والعكس صحيح، وكذلك في عصرنا الحالي نلحظ الاحتكاك والانصهار العالمي في حضارة إنسانية واحدة نتيجة تطور وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فالاحتكاك الحضاري الحالي يتم بتبادل المعلومات بالمعنى الحاصل لها. وفي محاضرتنا هذه لن نركز كثيراً على موضوع الحضارة بل سنركز جل اهتمامنا على دور الوثيقة الأساسي في تطور نقل الحضارات من جيل إلى جيل إذ يمكن لأي باحث مهما كانت مقدرته في البحث عن حضارة ما دون أن يعتمد الوثيقة دليلاً أو عنصراً دامغاً في إثبات قضية أو حقيقة ما.
ترجع أهمية الوثائق العربية في الاتي: الموضوعية في معالجة مختلف القضايا.
الاختصار والإيجاز في طرح المشكلات.
وليدة البيئة الطبيعية التي عاشها إنساننا العربي، فالرقم الطينية مصنوعة من الطين والبرديات مصنوعة من ساق البردي الموجودة بكثرة في وادي النيل، وكذلك كتب على الرقوق وأوراق النخيل وكرانيفها وعلى العظام والحجارة وكذلك جلود الحيوانات.
التميز بالتنوع في أشكالها.
التدرج في استبدال كل شكل من أشكال الوثائق وليس دفعة واحدة.
الانتقال الحر للوثائق بين الشعوب.
الوثائق العربية كانت متاحة للجميع بينما في حضارات النيل وسومر كانت مقتصرة على فئة معينة من الشعب، وكذلك في الحضارات الأخرى أيضاً.
الروعة والدقة في التصنيع والكتابة.
الوثائق العربية ناقلة ومطورة للحضارات الأخرى.
الصدق والأمانة في عمليات النقل والترجمة.
المخزون الوثائقي الكبير الذي خلفته الحضارة العربية.
توزع المخزون الوثائقي الكبير في أنحاء متفرقة في العالم.
التنوع في فروع المعرفة.
ظهور تصانيف حقيقية للعلوم والوثائق.
العناية الكبيرة بالوثائق في الحضارة القديمة، حيث كانت تحفظ الوثائق المكتوبة على ورق البردي بجرار فخارية وكذلك الرقم الطينية وكذلك الرقوق والمهارق التي كانت تحفظ في طوامير معدنية أو خشبية أو جلدية في العصر الساطع للحضارة العربية.
وجود أماكن مخصصة لهذه الوثائق (أراشيف) مثل أرشيف /آشور بنيبال مملكة ماري- ايبلا
البدايات الأولى لكل أشكال وأنواع الوثائق بدأت من المنطقة العربية وانتشرت إلى أنحاء العالم.
مقاومة هذه الوثائق للأحوال البيئية، حيث إن الرقم الطينية المكتشفة في بلاد الشام قاومت الرطوبة، أما البرديات في مصر فقد قاومت الجو الجاف في مصر.
الندرة لمثل هذه الوثائق، حيث إنها كانت تكتب باليد.
أهمية الوثائق في مختلف الدراسات 9) نموذج الوثائق العثمانية
لا أبالغ ولا أتحيز إذا ذكرت أن مجموعات الوثائق في العصر العثماني عامةً وسجلات المحاكم الشرعية خاصةً في مصر لها أهمية بالغة لكل الدراسات والتخصصات والمجالات، وإن كان الزمان والمكان لا يسمحان بسرد تلك الأهمية لكل التخصصات، فإنه من الأجدر الإشارة إلى أبرزها وأهمها مما يلقي الضوء على ما يمكن أن تضيفه هذه الوثائق من حقائق جديدة ومعلومات متميزة عن التاريخ الإداري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي ••• إلخ، كما أنها تمد دارسي الوثائق Diplomatique والأرشيف Archivistique بمعلومة وفيرة ومتنوعة تفيد في وضع قواعد علم الوثائق العربية وأسس تحقيق ونشر الوثائق من الواقع• كما أنها مجال بكر ومتميز للحصول على معلومات تخدم المتخصصين في القضاء والقانون والميراث والآثار والمسكوكات والأختام وغيرها.
أهمية الوثائق في دراسة القانون (الشريعة)، والقضاء، والنظم:
تذخر هذه الوثائق بمعلومات وفيرة ومتميزة عن تطبيق القانون أو الشريعة، بمعنى أدق في قيد وتدوين ونظر وإثبات وأحكام وتنفيذ الوثائق• حيث كانت تطبق الشريعة الإسلامية في كل مراحل التقاضي والتوثيق• حيث كانت للمحاكم العثمانية وظيفتان ولائية وقضائية، فكانت مهمة التوثيق والإشهاد والحكم والثبوت والتنفيذ من أهم الوظائف الولائية التي تقوم بها المحاكم على يد قضاة العسكر والنواب على المذاهب المختلفة، والمعروف أنه بعد الفتح العثماني لمصر أصبحت مصر ولايةً عثمانية بعد أن كانت دولةً مستقلة، وأصبح القاضي يأتي من تركيا ليرأس القضاء في مصر، ويسمى قاضي العسكر، وهو رئيس السلطة القضائية ويدين بالمذهب الحنفي، وتحت رئاسته أربعة قضاة على المذاهب المختلفة حتى إذا اقتضى أمر من الأمور مذهباً مخالفاً يمكن للنواب على المذاهب الأربعة تناوله عقداً أو فتوى أو حكماً•
وتقدم لنا الوثائق كماً كبيراً من المعلومات عن طرق تنفيذ الشريعة والتقاضي، ورسوم التقاضي، وهيئة المحكمة، والقضاة والنواب وأسمائهم وألقابهم ومدد ولايتهم وطريقة جلوسهم وترتيب المتقاضين، والشهود العدول في المحاكم والكتّاب، واختصاصات المحاكم قبل اختصاص الباب العالي بكل أنواع الوثائق لأنها أكبر المحاكم العثمانية ومقر قاضي العسكر، بينما تختص القسمة العربية بتركات ووثائق النساء وأهل الذمة والحرفيين والمهنيين، وتختص القسمة العسكرية بتركات ووثائق الأوجاقات العسكرية السبع في مصر في العصر العثماني وأصحاب الوظائف ورجال المكانة الاجتماعية الراقية في المجتمع••• وغير ذلك من الأمور الهامة في دراسة النظم والشريعة فضلاً عن رسوم التقاضي، وما فرضه العثمانيون من ضريبة على التركات على سبيل المثال أضرت بمصالح الورثة، ورفع رسوم التقاضي في الزواج الثيب والبكر والطلاق والإيجار ••• إلخ•
أهمية هذه الوثائق في علم الشروط (دراسة مقارنة بين النظرية والتطبيق): نظرياً وضع الله سبحانه وتعالى في آية الدّين، وهي تخص جميع المعاملات ـ طريقة توثيق المعاملات حتى لا تحدث مشكلات أو جحود أو نكران للحقوق، لأن الحقوق في المعاملات لا تضيع إلا بالضرر أو بالباطل أو بالجحود والنكران، وقد نظم القرآن الكريم عملية التوثيق في آيتي الدّين والرهن ، وعليهما بني علم التوثيق، وقد فهم المسلمون النص القرآني وعملوا به منذ نزوله، حيث كان بعض الصحابة يقومون بكتابة الوثائق بين الناس لتوثيق معاملاتهم، وعلى الرغم من ذلك فقد اختلف فقهاء الشريعة حول الوثيقة المكتوبة كوسيلة للإثبات، لأن النظرية الفقهية الإسلامية كانت لا تجيز الاعتماد على الوثيقة المكتوبة كوسيلة للإثبات، وإنما كان الإثبات يتم لدى القاضي بشهادة الشهود واليمين، وذلك لإمكان تعرض الوثيقة المكتوبة للتزوير في الخط والحاكم أيضاً.
خاتـمة:
من خلال هذا العرض السريع لشكل وتعريف ودور الوثيقة العربية ، لمسنا الأهمية العظيمة للوثائق العربية وغيرها من الوثائق التي كانت المحك والناقل الرسمي للحضارات وتفاعلها، كما لاحظنا تأثير الحوار والاحتكاك الحضاري في تطوير وسائل الاتصال والمعرفة الإنسانية ككل. ودون الوثائق لا نعرف شيئاً عن هذه الحضارات التي مرت بها الإنسانية لأن الوثائق ذاكرة حقيقية لكل الحضارات، فما الوثائق العظيمة التي خلفها لنا أسلافنا إلا دليل حي وباق على عظمة الحضارات القديمة وسر ديمومة الإنسانية وتطورها الخلاق فهي الوسيلة الشرعية لتوصيل المادة الفكرية لكل هذه الحضارات، فالحضارة إذاً هي جملة من تراكمات للمعرفة الإنسانية وهذه المعرفة سطرت ودونت في وثائق تناقلتها الأجيال جيلاً بعد آخر، فمن خلالها تم تبادل وحوار راق للحضارات بين بعضها على الرغم من وجود صدامات حضارية حقيقية.
ومن هنا نستنتج بأن الشعوب والأمم التي تولي وثائقها وتراثها الإنساني أهمية كبيرة هي أمة موجودة وفاعلة في بناء الحضارة على اختلاف مراحلها لأن الوثائق زاد حقيقي للشعوب تعود إليه تستشف ما فيه من قيم وأخلاق لتغذي أبناءها، فالأمة بلا وثائق أمة بلا هوية بلا انتماء.
(*) أنور عبد القادر عبد العزيز الرشيد : ، وفي أثناء هذه المرحلة من التاريخ أيضا اضطر العلماء والباحثين إلى استخدام بعض الآليات التي تعينهم على الرجوع إلى المعلومة المطلوبة من خلال استخدام ما عرف باسم الفهرسة والتكشيف التي قادتهم لعمل قوائم برؤوس الموضوعات واستنباط الكلمات الدالة عن موضوعات البحث مما شكل دافعا قويا ليكون هناك كنز عظيم من الكلمات ومرادفتها لكي ييسر عملية البحث والتقصي عن جزئية لا يمكن الوصول لها دون استخدامه، وهذا الكنز العظيم من الكلمات أطلق عليه اسم المكنز خصوصا عندما دخلت التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد على استخدام الأدوات العصرية من حاسبات آلية ونظم تطبيقية ومصغرات فيلمية ووسائط حفظ مختلفة ساعدت الباحثين والعلماء على الوصول إلى تلك المعلومة بأقل جهد وأسرع وقت واقل تكلفة وهذا ما يهدف له علم التوثيق بنهايةالمطاف وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على علم التوثيق منذ نشأته، وكذلك التعرف على بعض الدراسات والأبحاث المقدمة من قبل مجموعة العلماء والمختصين في هذا المجال، ونرجوإن يكون هذا البحث أحد الروافد التي تدعم علم التوثيق وما فيه من مداخل المتعددة.
(1) هناء غانم http://doc.abhatoo.net.ma/IMG/doc/arine2.doc
(2) د.بشار عباس
(3) أنور عبد القادر عبد العزيز الرشيد http://www.arabcin.net/arabiaall/studies/nothom.htm
(5) دكتور بشار عباس مرجع سابق
(6) لمزيد من المعلومات راجع امنية عامر: التاريخ الشفهي: تاريخ يغفله التاريخ ، دراسة حول التاريخ الشفهي كأحد المصادر الأرشيفية التي لاقت اهتمام كبير من المجلس الدولي للأرشيف، تتناول الدراسة إشكاليات التاريخ الشفهي، ثم تستعرض البدايات التاريخية له في أوروبا ومناطق العالم المختلفة، وأخيراً تتحدث الدراسة عن أهمية توثيق التاريخ الشفهي للتاريخ، منشورة في الدورية الاليكترونية في البوابة العربية للمكتبات والمعلومات (Cybrarians)
(7) سلوى علي ميلاد:الوثائق العربية في مصر في العصر العثماني http://www.arabcin.net/arabiaall/4-2001/10.html
(7) الوثائق العربية في مصر في العصر العثماني د سلوى علي ميلاد www.arabcin.net/arabiaall/4-2001/10.html
(8) أحمد المحمد : النادي العربي للمعلومات
(9) http://www.arabcin.net/arabiaall/4-2001/10.html
ولذا كان من الضرورة ان انقل هذا المقال الي مدونتي والتي وهبتها لدار الوثائق المصرية لتوضيح مدي الاهمية التي يحملها هذا الدار . وقد لمست من خلال قراءته مدي الاهمية العظمي للوثائق التي كانت المحك والناقل الرسمي للحضارات وتفاعلها،
============
الزملاء الاعزاء
الوثيقة العربية تعاني من الهجر البحثي وضعف الاهتمام بها
تعالو معنا نتعرف عليها وعلى انواعها واشكالها
التوثيق
الوثيقة العربية تعاني من الهجر البحثي وضعف الاهتمام بها
تعالو معنا نتعرف عليها وعلى انواعها واشكالها
التوثيق
الاســــم : محمد محمود مكاوي
عنوان البحث : الوثائق العربية ذاكرة وحجة : مرحلة النشوء والارتقاء
بحث مقدم لجامعة القاهرة كلية الاداب قسم الوثائق والمكتبات 2007
المحتـــويات
اولاً : تـاريـخ الوثيـقة العـربية
ثانيًا : تعريفها وانواعها واشكـالها
ثالثًا : اهمـية الوثيـقة العــربية
تقـــديم :
تتميز الوثائق العربية عن غيرها من وثائق الامم الاخرى بأنها ذات مصداقية عالية وقد اشاد بذلك معظم مستشرقي الغرب حيث استندوا الى المصادر العربية في استقاء العلوم وتحليل العديد من المصادر باعتبارها مرجعًا سليمًا يخلوا من التحريف ، والتاريخ العربي الإسلامي يفخر بما يمتلكه من كنوز المعرفة ومفاتيح العلوم ، وقد اهتم العرب منذ القديم بالبحث العلمي وبالوثيقة والتوثيق ووضعوا أسساً علمية ثابتة لدراسة الوثيقة لكونها عاملاً فعالاً في خدمة الحضارة الإنسانية وذاكرتها الواعية ورسالتها للأجيال والحضارات الأخرى .
وبعد التوسع الهائل في الانتاج الفكري الإنساني وما تمخض عنه من كتب ونشرات ودوريات وأبحاث غيرهما من النتاج الفكري الإنساني الذي فاق الملايين بل المليارات من المعلومات ، أصبح هناك حاجة ماسة لترتيب هذا النتاج الهائل من الفكر، وعندما بحث المختصين بجزئية هذا الترتيب وصلوا لقناعة بان ترتيب وتصنيف هذا النتاج لا بد منه وعندما توغلوا بهذا الترتيب اكتشفوا بأن عليهم الغوص والتعمق بجزئيات لم يتطرق لها احد من قبل، لذلك أوجدوا ما يعرف ألان باسم التوثيق الذي يقوم به متخصصون لكي يوفروا لنا ما نريده من معلومات قد يتطلب البحث عنها فترات طويلة وقد نجدها بين ثنايا الكتب والمجلدات والبحوث المتخصصة أولا نجدها وفق العرف البحثي التقليدي، وأيضا فرضت الحاجة على العلماء بأن يقوموا بما عرف لاحقا بالتحليل، أي تحليل هذه البيانات لكي يستنبطوا منها ما يساعدهم على استرجاع هذا الكم الهائل من المعلومات والبيانات. (*)
العنصر الاول : تاريخ الوثيقة العربية (1)
تنطلق اهمية الوثائق من كونها أداة لحفظ التراث ونقله للأجيال ، فالعرب كانوا قبل الإسلام أميين لايعرفون غير كتب الدين بدليل أن القرآن الكريم قد أطلق على أصحاب الديانات السماوية الأخرى اسم أهل الكتاب، حتى إن الشعر كان يتناقل شفاهاً ولم يدون إلا نادراً (كالمعلقات مثلاًً)ولهذا فإن تاريخ الكتب والمكتبات عند المسلمين لم يبدأ فعلياً إلا مع انطلاق الدعوة الإسلامية وإن نزول القرآن الكريم هوالحدث الأهم الذي أحدث انعطافاً عظيماً في العقائد والمعارف الإنسانية كلها ، وقد كان القرآن الكريم أول كتاب ظهر باللغة العربية ، اهتم المسلمون بتدوينه وضبط آياته حتى لايلحن فيه غير العرب من المسلمين ، فكان هذا الأمر، إضافة إلى الاهتمام بتدوين الحديث الشريف بداية التوثيق في الإسلام•• ثم توالى تدوين وتنظيم المؤلفات العربية بعد الفتوحات الإسلامية حتى شملت مختلف العلوم•
التوثيـق فـي التاريــخ 2)
يشير الدكتور بشار عباس الى ان بدايات التوثيق تعود إلى عصور ما قبل التاريخ ، أي أن بدايات التوثيق سبقت التدوين الكتابي ، ذلك أن التوثيق بمفهومه الواسع ، أي حفظ الأحداث التاريخية و المعلومات العلمية و نقلها إلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها ، ينطبق أيضاً على التناقل الشفاهـي للمعلومات و المعـارف و المهارات ، ولا بد أن نتذكر أن الشعر الجاهلي أسهم في توثيق تاريخ العرب قبل الإسـلام ، وأن ملاحـم هوميروس الشاعر الإغريقي الأعمـى " وثقت " فترة تاريخية كانت غائرة في عمق الذاكرة الإغريقية ، وأن التناقل الشفاهي لملحمتي الأوذيـسة و الإلياذة كان من أول أشكال التوثيق الشفاهي و ذلك قبل تدوينهما بقرون عديدة . و عندما ننظر إلى التوثيق في تاريخ العالم القديم نستطيع أن نلمح أهم محطاته :
* وصلت الحضارتان السومرية و المصرية إلى مستوى عالٍ من الكتابة التصويرية ، التي اسـتوعبت تدوين الشـعر و الطـب والمعتقدات الدينية والعلوم .
* اكتشف المصريون نحو 2500 قبل الميلاد ورق البردي ، و بذلك أصبح من الممكن تبادل الوثائق ، و نقل المعلومات المدونـة من مكان إلى آخر.
* اكتشف السومريون نحو 1700 قبل الميلاد وسـيطاً آخر وهو الكتابة على ألواح فخارية (الرقـم) وسـجلوا عليها بالكتابة المسمارية تاريخهم وعلومهم و مبادلاتهم التجارية ، وذلك بعد أن طوروا كتابتهم التصويرية القديمة إلى كتابة مسمارية .
* ظهرت أولى المكتبات المنظمة والمصنفة في العالم في مصر وبلاد ما بين النهرين في الألف الثانية قبل الميلاد .
* في القرن الثامن قبل الميلاد ظهرت في سـورية أول أبجدية فتحت الطريق أمام الانتشار الواسع للكتابة في العالم القديم ، وأثرت على الأبجدية اليونانية والتي انطلقت منها فيما بعد الأبجدية اللاتينية.
* في الفترة ( 1450- 1456 ) م أخرجت مطبعة يوحنا غوتنبرغ أول كتاب مطبوع يتكون من 42 سطراً من الإنجيل ، مما منح البشرية إمكانية النشر الواسع للنصوص المكتوبة.
* في القرن التاسع عشر ظهر نظام تصنيف ديوي Melvil Dewey، وهو أشهر و أهم نظم تصنيف المكتبات حتى اليوم .
العنصر الثاني : الوثيقة تعريفها اشكالها انواعها 3)
اتفق العلماء والباحثون على تعريف الوثائق من خلال معنيان كالتالي:-
1- المعنى العام للوثائق: اصطلح على أن الوثائق في معناها العام هي كل الأصول التي تحتوي على معلومات تاريخية.
2- المعني الدقيق للوثائق: اصطلح على أن الوثائق في معناها الدقيق هي الكتابات الرسمية أو شبه الرسمية مثل الأوامر والقرارات والمراسيم والبراءات والاتفاقيات والمراسلات السياسية، والوثائق الشرعية، والكتابات التي تناول مسائل الاقتصاد أو التجارة أوعادات الشعوب أو نظمهم وتقاليدهم أو المشروعات أو المقترحات المتنوعة التي تصدر عن المسئولين في الدولة أو التي تقدم إليهم أوالمذكرات الشخصية أو اليوميات.
1- انواع الوثيقة 5)
أنواع الوثائق وأشكالها تنقسم إلى أربعة أنواع رئيسية وهي كالتالي:
اولا : من حيث المادة:
أ - الوثيقة الكتابية:
لا شك في أن هذا النوع هو الذي يعتد به، ويعتمد عليه لأنه يقوم على واقع ثابت لا يحتاج إلى دراسات مطولة، أو اجتهادات، أو خبرات خاصة قائمة على الترجيح أو التخمين ، ويقصد بالوثيقة الكتابية كل ما دون كمخطوط أو مطبوعة، فالرسالة والدورية في علم التوثيق تعني كل نشرة تحتوي على عدة موضوعات لعدد من الكتاب، أو المحررين ولها اسم خاص هو عنوانها الذي تعرف به، وتظهر بأجزاء متتابعة وفي مدد محددة، ولزمن معين، وتشتمل عادة:
الصحف "الجرائد" والتي تهتم بملاحقة الأخبار المحلية أو الدولية ونشرها، وفي نطاق ذلك تظهر المجلات على تعدد موضوعاتها واهتمامها.
المذكرات وهي ما يدونه المرء سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو عالما أو أديبا أو فنانا، يدونون فيها خواطرهم والأحداث التي عاشوا واقعها، ومحاوراتهم وذكرياتهم.
التقارير وهي صورة لنتائج علمية، أو تحقيقات إدارية أو عرض لواقع صحي، وبعبارة أخرى كل مايشتم منه صفة التقرير.
البيانات وهي ما يعرض فيها وجهات نظر خاصة ومعينة تميط اللثام عن أمر غامض، يحاولون فيها نشر ما ينير أفكار الناس نحو موضوع واحد على الأغلب فيه التأكيد وجهة نظر معينة أونفيها، والبيانات وإن اخذ بها البعض كوثائق لاسيما بعد أن يتقادم عليها العهد وتصبح موضع للدراسات النقدية، لا تعتبر دورية حسب المفهوم الفني لأنها لا تصدر على شكل واحد، وفي زمن محدد أسبوعي، أو شهري، أو فصلي، أو نصف سنوي، وحتى حولي. إن السجل الثقافي الذي يدون عادة النشاطات الفكرية ويسجل الندوات العلمية، والمناظرات الأدبية، والمحاورات السياسية، وهو أيضا إحصائية تثبت تحقيقات عددية، كما هو تقرير رسمي يتناول الحياة الفكرية على أوجهها جميعا وربما كان ولا ريب مجموعة محاضر لجلسات المؤتمرات والاجتماعات، وبعبارة أدق فإن الوثيقة الكتابية هي كل ما يعيين الكشف حول حقيقة تاريخية أو علمية.، و مع التأكيد على إن الوثائق الكتابية مهمة مهما كانت قيمة ما تحتويه إلا إن هناك اختلاف بين الخبراء حول الكتاب والكتيب من حيث قيمتها التوثيقية، فيرى الغالبية منهم إن لا الكتاب والكتيب لا يعتبر وثيقة إلا إذا كان نادرا ومفقودا ويؤكد على ثوابت يقرها العلم ويطمئن إليها العقل.
ب - الوثيقة التصويرية:
هذا النوع من الوثائق في درجة تلي الوثيقة الكتابية والتي تعتبر في علم التوثيق وثيقة مساعدة بمعنى لا يعتد بها وحدها ويعتمد عليها لأن الجوهر فيها موضع ترجيح وتشكيك، ولا ينظر إليها إلا في حال استطاعت أن تنير جانبا من البحث، وهكذا تساعد على التحقيق والكشف، وهي على الغالب: رسم ما نقل بالزيت، أو بالقلم، أو بالفحم، وصورة، أو نقش في الحجر، أوكفت في النحاس، أو تنزيل بالخشب، أو تكوين في الجص، وربما كانت هذه الوثيقة المساعدة صورة شمسية تعين على التحقيق، فالهوية الشخصية، وجواز السفر لا يعتد بهما كوثيقتين في إثبات الشخصية بالرغم من صدورها عن دائرتين رسميتين إلا إذا كان كل منهما يحمل صورة الشخص، والصورة مصدق عليها من مرجع قانوني وممهورة بخاتم الإدارة الرسمية، فالصورة الشمسية جاءت هنا مساعدة للوثيقة الكتابية التي هي الهوية الشخصية، أو جواز السفر.
في ظل هاتين الوثيقتين الهوية الشخصية و جواز السفر، نجد أنهم كثيرا ما يتم تزويرهم، ولكن مع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن الهوية وجواز السفر ليس كل منها وثيقة أصلية، وأخرى مساعدة بالرغم من التزوير الحاصل فيها، لان هذا التزوير يكتشفه عادة علم السجيلوغرافيا " SIGILLOGRAPHY " الذي له كتبه وخبراؤه خريجو مدارسه المتخصصة في علم التزوير والجريمة.ومع الصورة الشمسية فاللوحة أيا كان شكلها، والخيالة "السينما"، أو التلفزة اللتان تحتفظان والى أجيال بحقائق عن معارك وحروب في حال تسجيلا حيا، فهي عندئذ أشرطة وثائقية تعيين على إيضاح جانب كبير من تاريخ ما تعرض له، أما إذا كانت مهيأة في المعامل فلا يعتد بها لاسيما وأنها تعرض وجهة نظر تتفق والمصدر، وعندئذ فلا بد للخصم هنا من أن يصور فيلما آخر ناقضا، وبين الشريطين يمكن التوصل مع الوثائق الكتابية إلى ما تطمئن إليه النفس، ويثق به العقل.
ج - الوثيقة التشكيلية:
تعتبر هذه الوثيقة كسابقتها في إطار الوثائق المساعدة وربما جاءت في منزلة الوثيقة التصويرية لأنها مماثلة لها في كثير من المقومات، وغالبا ما يكون لها قيمة مالية كبيرة خصوصا عندما كون قد صيغت بيد احد المشاهير في العلوم التشكيلية، فالوثيقة التشكيلية في الغالب تشتمل على الآثار المعمارية كقصر الحمراء في غرناطة، ومسجد قرطبة وأهرام الجيزة، وغيرها.
هذه المعالم وإضرابها في أنحاء المعمورة تعتبر من الوثائق المساعدة، إذ تساعد على دراسة حضارات الأمم القديمة، وتحدد مظاهر الرفاه، أو مستوى التدين عندها وربما يتوصل الأثريون في الكشف عن تاريخها إلى نتائج مذهلة في إدارة العمارة ومعرفة أسرارها، والمواد التي استخدمت في إقامتها بعد أن فقدت الوثائقية الكتابية التي خططت لهذه المعالم العظيمة، هذه إذا وجدت في الأصل ، التماثيل ومستوى القدرة الفنية في نحتها ومبلغ عبقرية مبدعيها وطاقتهم. المسكوكات من النقود والميداليات والأوسمة وهي ذات قيمة حضارية كبيرة بخاصة قطع النقود الرومانية والأموية التي ضربت لأول عهد العرب بالتحرر من استخدام النقود الأجنبية.
د - الوثيقة السمعية أو المرئية:
وتدخل هذه الوثيقة أيضا كنوع ممن أنواع الوثائق المساعدة وهي في الغالب تسجيلات صوتية أو إذاعية، أو تسجيل أسطواني، أو شريط سينمائي ناطق.
وكما تشير مدرس الوثائق د. امنية عامر الى نوع اخر من الارشيف(6) الذي يضم الوثائق الشفهية او التاريخ الشفهي Oral History باعتبارها احد مصادر التوثيق الحضارية.
و بالطبع فأن الوثائق الكتابية والتصويرية والتشكيلية لها مظاهر معروفة و مؤكدة ببعض الحقائق والمؤتمنة على معلومات تاريخية أومظاهر حضارية أوقيمة معمارية بالنسبة للأبنية والمعالم، أما الوثيقة السمعية هذه فقد دخلت في مجموعة الوثائق المساعدة مع التطور المعاصر وبعد ظهور الكهرباء وابتكاراتها الصناعية والآلية، ومن ثمة الإلكترونية التي أغنت هذا النوع من الوثائق التي يعتمدها الخبراء في دراسة الغناء ومستوى الصوت وطبقاته عند المغنين حيث ينهضون بدراساتهم النقدية و يجعلون المغنين رتبا ودرجات في ضوء براعتهم في الأداء وخبرتهم وثقافتهم الفنية، في ما ينهض به ألاخرون بدراسة اللهجة الخطابية، أوأسلوب الحوار والنقاش عند رجال السياسة وزعماء العالم فيستندون بذلك إلى دراسة شخصياتهم ومدى تأثيرهم على الجماهير، أو مبلغ براعتهم ونجاحهم في الحوار، وفي ضوء كل ذلك وإلى جانب الآثار المكتوبة التي تركها هؤلاء الكبار يمكن تجسيد حقائق هؤلاء الرجال الأفذاذ من خلال الوثيقة السمعية أو المرئية. لقد دخلت هذه الوثيقة اليوم كل بيت إذ أن كثيرا من العائلات يلذ لها أن تسجل الكلمات الأولى لأطفالهم، خلال مناسبات متعددة ومع تقدمهم في الحياة فتحفظ لهم بذلك تصبح وثيقة غنية بالعبر والعظات.
في ظل ما تقدم نؤكد على أن الوثائق في جوهرها أربع أنواع، الأصلية، وهي الوثيقة الكتابية، والمساعدة وهي الوثائق التصويرية، والتشكيلية أو السمعية وهي كلها إما مدونة بالقلم أومنحوتة بالأزميل، أو نقوشة بالحجر أو مسجلة على أشرطة ممغنطة وهي جميعا وعلى تعدد أنوا عها واختلاف أسمائهم تعيين على التثبت والتحقيق.
ثانيًا : من حيث الشكل7)
أشكال وأنماط الوثائق العثمانية المحفوظة في دور الحفظ في مصر:تتدرج أشكال الوثائق العثمانية المحفوظة لدينا من:
الوثيقة المفردة Document Isoleé
وهي مكتوب مفرد يتضمن تصرفاً أو فعلاً قانونياً واحداً، وهي مكتوبة على الورق، لانتشار استخدامه في ذلك العصر، وكان إما يصنع محلياً أو في الشام أو في أوربا، والعلامات المائية الموجودة على الورق تشير إلى ذلك ، والوثيقة المفردة في العصر العثماني كانت إما لفافة Roll ، وهو القليل النادر في الوثائق التي يقترب تاريخها من نهاية العصر المملوكي، أو مطوية Folded بمقاسات مختلفة وهو الغالب، أو المجلد الدفتري Codex، وتحفظ الوثائق المفردة العثمانية في الأماكن السابق الإشارة إليها، إما داخل كرتون أو على رفوف أو داخل دواليب من المعدن أو الخشب•
السجل Registre:
وهو مجموعة من الوثائق المدونة في شكل دفتري مجلد مخطوط، دونت هذه الوثائق تباعاً يوماً بيوم وشهراً بعد شهر وسنةً بعد سنة، ويمثل هذا السجل نشاط الجهة التي أصدرته في فترة زمنية من حياتها•
وعادةً يشتمل السجل على نسخ للوثيقة الأصلية المفردة، قيدت بالسجلات إما موجزة مختصرة أو كاملة، وفي مصر مجموعات ضخمة من السجلات والدفاتر التي ترجع إلى العصر العثماني لكل الدواوين والمحاكم والجهات الإدارية محفوظة بأماكن الحفظ المختلفة السابق الإشارة إليها•
الدوسيه أو المحفظة Dosier or Carion:الدوسيه وحدة من وحدات حفظ الوثائق أكبر من الوثيقة المفردة وأصغر غالباً من السجل، وهو عبارة عن عدة وثائق مفردة جمعت معاً في دوسيه أو ملف أو محفظة ذات أربطة، وتدور كلها حول موضوع واحد، أو حادثة أو سنة• وتوجد هذه النوعية من الأشكال للوثائق العثمانية المحفوظة في دار الوثائق القومية، وقد تضم المحفظة أكثر من دوسيه أو ملف•
الوحدة الأرشيفية المتكاملة Fonds d’archeives:
وهي كل الأشكال المشار إليها (وثائق مفردة ـ سجلات ـ دوسيهات •••إلخ) المدونة الناتجة عن نشاط جهةٍ ما، وقد أودعت في تلك الجهة أو لدى أحد موظفيها المختصين، وهي كيان عضوي نما وكبر وانتهى بحكم ممارسة الجهة لأنشطتها واختصاصاتها.
والوحدات الأرشيفية المتكاملة في العصر العثماني محفوظة بدور الحفظ المشار إليها، وهي تنتمي للنظام القضائي (سجلات المحاكم العثمانية)، والنظام المالي (المالية والرزنـامة والدفتردار)، والنظام الاقتصادي (الجفالك والزراعة والمساحة وتعداد النفوس) ••• إلخ•
الوديعة الأرشيفية أو المتكاملات المنظمة Depôt d’archives :
هي مجموع المتكاملات التي تمثل أنشطة جهات معينة معاصرة تنتمي لنظام معين، مثل المتكاملات الأرشيفية للمحاكم العثمانية تمثل الوديعة الأرشيفية للقضاء في العصر العثماني، والمتكاملات الأرشيفية للديوان الدفتري والمالي، والرزنامة تمثل الوديعة الأرشيفية للنظام المالي ••• وهكذا وتوجد هذه الودائع محفوظةً في دار الوثائق القومية في القاهرة، وهي خصبة في تنوعها وخصائصها ومعلوماتها.
ثالثًا : من حيث الموضوع(7)
من أهم أنواع الوثائق العثمانية بشقيها العامة والخاصة، تلك الوثائق التي تشتمل على معلوماتٍ مهمة وجديدة لموضوعات لم تُدرس من قبل، بل وتأتي بالجديد دائماً عن تاريخ مصر في تلك الحقبة الهامة التي تنعدم فيها المصادر الروائية أو تكاد• وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد هنا بعض الأنواع المتميزة من هذه الوثائق:
وثائق التدبير: وهي نوع من الوثائق الخاصة التي تشتمل على تصرف قانوني بإرادة واحدة وهو التدبير، وهو العتق بعد وفاة العاتق، وهو من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ويتم بالعبارات الصريحة ، وقد تميزت هذه الوثائق بمعلومات وفيرة وجديدة عن المدبرين من العبيد البيض والسود النساء والرجال، ونظام التدبير والمستولدة، والأعيان الموصى لهم بها من قبل سيدهم كالمجوهرات والأسلحة وغيرها
وثائق الوديعة: وهي تتضمن معلومات عن نظام الوديعة وأركان هذا العقد وشروطه وكيفية ردها أو ضياعها والإجراءات المتبعة في ذلك طبقاً لما جاء في القرآن الكريم من نصوص والسنة النبوية الشريفة، كما أنها لها قيمة كبيرة للغاية في الدراسة المقارنة لتمييز الوديعة عن العقود الأخرى مثل القرض والعارية ورهن الحيازة وغيرها
أوامر التعيين والعزل للقضاة والكتاب والعدول بالمحاكم العثمانية: وهي نوعية من الوثائق العامة• وهي ذخيرة من الوثائق المقيدة في سجلات المحاكم ومجموعة وثائق الواحات، تتضمن معلوماتٍ وفيرة عن أسماء القضاة والكتاب وقضاة العسكر ونوابهم وألقابهم ومدد تعيينهم وعزلهم وسفرهم وترحالهم وحجمهم ودرجاتهم وغيرها من الأمور الهامة التي تتعلق بنظام القضاء في العصر العثماني كله
العنصر الثالث : أهيمة الوثائق العربية(8)
الوثائق شواهد حقيقية دامغة على حضارات مرت واندثرت وأخرى استمرت في التطور والنشوء. فالوثائق أدّت دوراً هاماً وحساساً في مختلف مراحل الحضارة الإنسانية، ولعلنا نعرف عن الحضارات التي مرت بها البشرية أو نعرف جزءاً منها. ومما لا شك فيه بأن الحضارات قد تفاعلت مع بعضها تفاعلاً حقيقياً فالحضارات القديمة في الشرق تفاعلت مع الحضارات القديمة في الغرب والشمال والجنوب والعكس صحيح، وكذلك في عصرنا الحالي نلحظ الاحتكاك والانصهار العالمي في حضارة إنسانية واحدة نتيجة تطور وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فالاحتكاك الحضاري الحالي يتم بتبادل المعلومات بالمعنى الحاصل لها. وفي محاضرتنا هذه لن نركز كثيراً على موضوع الحضارة بل سنركز جل اهتمامنا على دور الوثيقة الأساسي في تطور نقل الحضارات من جيل إلى جيل إذ يمكن لأي باحث مهما كانت مقدرته في البحث عن حضارة ما دون أن يعتمد الوثيقة دليلاً أو عنصراً دامغاً في إثبات قضية أو حقيقة ما.
ترجع أهمية الوثائق العربية في الاتي: الموضوعية في معالجة مختلف القضايا.
الاختصار والإيجاز في طرح المشكلات.
وليدة البيئة الطبيعية التي عاشها إنساننا العربي، فالرقم الطينية مصنوعة من الطين والبرديات مصنوعة من ساق البردي الموجودة بكثرة في وادي النيل، وكذلك كتب على الرقوق وأوراق النخيل وكرانيفها وعلى العظام والحجارة وكذلك جلود الحيوانات.
التميز بالتنوع في أشكالها.
التدرج في استبدال كل شكل من أشكال الوثائق وليس دفعة واحدة.
الانتقال الحر للوثائق بين الشعوب.
الوثائق العربية كانت متاحة للجميع بينما في حضارات النيل وسومر كانت مقتصرة على فئة معينة من الشعب، وكذلك في الحضارات الأخرى أيضاً.
الروعة والدقة في التصنيع والكتابة.
الوثائق العربية ناقلة ومطورة للحضارات الأخرى.
الصدق والأمانة في عمليات النقل والترجمة.
المخزون الوثائقي الكبير الذي خلفته الحضارة العربية.
توزع المخزون الوثائقي الكبير في أنحاء متفرقة في العالم.
التنوع في فروع المعرفة.
ظهور تصانيف حقيقية للعلوم والوثائق.
العناية الكبيرة بالوثائق في الحضارة القديمة، حيث كانت تحفظ الوثائق المكتوبة على ورق البردي بجرار فخارية وكذلك الرقم الطينية وكذلك الرقوق والمهارق التي كانت تحفظ في طوامير معدنية أو خشبية أو جلدية في العصر الساطع للحضارة العربية.
وجود أماكن مخصصة لهذه الوثائق (أراشيف) مثل أرشيف /آشور بنيبال مملكة ماري- ايبلا
البدايات الأولى لكل أشكال وأنواع الوثائق بدأت من المنطقة العربية وانتشرت إلى أنحاء العالم.
مقاومة هذه الوثائق للأحوال البيئية، حيث إن الرقم الطينية المكتشفة في بلاد الشام قاومت الرطوبة، أما البرديات في مصر فقد قاومت الجو الجاف في مصر.
الندرة لمثل هذه الوثائق، حيث إنها كانت تكتب باليد.
أهمية الوثائق في مختلف الدراسات 9) نموذج الوثائق العثمانية
لا أبالغ ولا أتحيز إذا ذكرت أن مجموعات الوثائق في العصر العثماني عامةً وسجلات المحاكم الشرعية خاصةً في مصر لها أهمية بالغة لكل الدراسات والتخصصات والمجالات، وإن كان الزمان والمكان لا يسمحان بسرد تلك الأهمية لكل التخصصات، فإنه من الأجدر الإشارة إلى أبرزها وأهمها مما يلقي الضوء على ما يمكن أن تضيفه هذه الوثائق من حقائق جديدة ومعلومات متميزة عن التاريخ الإداري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي ••• إلخ، كما أنها تمد دارسي الوثائق Diplomatique والأرشيف Archivistique بمعلومة وفيرة ومتنوعة تفيد في وضع قواعد علم الوثائق العربية وأسس تحقيق ونشر الوثائق من الواقع• كما أنها مجال بكر ومتميز للحصول على معلومات تخدم المتخصصين في القضاء والقانون والميراث والآثار والمسكوكات والأختام وغيرها.
أهمية الوثائق في دراسة القانون (الشريعة)، والقضاء، والنظم:
تذخر هذه الوثائق بمعلومات وفيرة ومتميزة عن تطبيق القانون أو الشريعة، بمعنى أدق في قيد وتدوين ونظر وإثبات وأحكام وتنفيذ الوثائق• حيث كانت تطبق الشريعة الإسلامية في كل مراحل التقاضي والتوثيق• حيث كانت للمحاكم العثمانية وظيفتان ولائية وقضائية، فكانت مهمة التوثيق والإشهاد والحكم والثبوت والتنفيذ من أهم الوظائف الولائية التي تقوم بها المحاكم على يد قضاة العسكر والنواب على المذاهب المختلفة، والمعروف أنه بعد الفتح العثماني لمصر أصبحت مصر ولايةً عثمانية بعد أن كانت دولةً مستقلة، وأصبح القاضي يأتي من تركيا ليرأس القضاء في مصر، ويسمى قاضي العسكر، وهو رئيس السلطة القضائية ويدين بالمذهب الحنفي، وتحت رئاسته أربعة قضاة على المذاهب المختلفة حتى إذا اقتضى أمر من الأمور مذهباً مخالفاً يمكن للنواب على المذاهب الأربعة تناوله عقداً أو فتوى أو حكماً•
وتقدم لنا الوثائق كماً كبيراً من المعلومات عن طرق تنفيذ الشريعة والتقاضي، ورسوم التقاضي، وهيئة المحكمة، والقضاة والنواب وأسمائهم وألقابهم ومدد ولايتهم وطريقة جلوسهم وترتيب المتقاضين، والشهود العدول في المحاكم والكتّاب، واختصاصات المحاكم قبل اختصاص الباب العالي بكل أنواع الوثائق لأنها أكبر المحاكم العثمانية ومقر قاضي العسكر، بينما تختص القسمة العربية بتركات ووثائق النساء وأهل الذمة والحرفيين والمهنيين، وتختص القسمة العسكرية بتركات ووثائق الأوجاقات العسكرية السبع في مصر في العصر العثماني وأصحاب الوظائف ورجال المكانة الاجتماعية الراقية في المجتمع••• وغير ذلك من الأمور الهامة في دراسة النظم والشريعة فضلاً عن رسوم التقاضي، وما فرضه العثمانيون من ضريبة على التركات على سبيل المثال أضرت بمصالح الورثة، ورفع رسوم التقاضي في الزواج الثيب والبكر والطلاق والإيجار ••• إلخ•
أهمية هذه الوثائق في علم الشروط (دراسة مقارنة بين النظرية والتطبيق): نظرياً وضع الله سبحانه وتعالى في آية الدّين، وهي تخص جميع المعاملات ـ طريقة توثيق المعاملات حتى لا تحدث مشكلات أو جحود أو نكران للحقوق، لأن الحقوق في المعاملات لا تضيع إلا بالضرر أو بالباطل أو بالجحود والنكران، وقد نظم القرآن الكريم عملية التوثيق في آيتي الدّين والرهن ، وعليهما بني علم التوثيق، وقد فهم المسلمون النص القرآني وعملوا به منذ نزوله، حيث كان بعض الصحابة يقومون بكتابة الوثائق بين الناس لتوثيق معاملاتهم، وعلى الرغم من ذلك فقد اختلف فقهاء الشريعة حول الوثيقة المكتوبة كوسيلة للإثبات، لأن النظرية الفقهية الإسلامية كانت لا تجيز الاعتماد على الوثيقة المكتوبة كوسيلة للإثبات، وإنما كان الإثبات يتم لدى القاضي بشهادة الشهود واليمين، وذلك لإمكان تعرض الوثيقة المكتوبة للتزوير في الخط والحاكم أيضاً.
خاتـمة:
من خلال هذا العرض السريع لشكل وتعريف ودور الوثيقة العربية ، لمسنا الأهمية العظيمة للوثائق العربية وغيرها من الوثائق التي كانت المحك والناقل الرسمي للحضارات وتفاعلها، كما لاحظنا تأثير الحوار والاحتكاك الحضاري في تطوير وسائل الاتصال والمعرفة الإنسانية ككل. ودون الوثائق لا نعرف شيئاً عن هذه الحضارات التي مرت بها الإنسانية لأن الوثائق ذاكرة حقيقية لكل الحضارات، فما الوثائق العظيمة التي خلفها لنا أسلافنا إلا دليل حي وباق على عظمة الحضارات القديمة وسر ديمومة الإنسانية وتطورها الخلاق فهي الوسيلة الشرعية لتوصيل المادة الفكرية لكل هذه الحضارات، فالحضارة إذاً هي جملة من تراكمات للمعرفة الإنسانية وهذه المعرفة سطرت ودونت في وثائق تناقلتها الأجيال جيلاً بعد آخر، فمن خلالها تم تبادل وحوار راق للحضارات بين بعضها على الرغم من وجود صدامات حضارية حقيقية.
ومن هنا نستنتج بأن الشعوب والأمم التي تولي وثائقها وتراثها الإنساني أهمية كبيرة هي أمة موجودة وفاعلة في بناء الحضارة على اختلاف مراحلها لأن الوثائق زاد حقيقي للشعوب تعود إليه تستشف ما فيه من قيم وأخلاق لتغذي أبناءها، فالأمة بلا وثائق أمة بلا هوية بلا انتماء.
(*) أنور عبد القادر عبد العزيز الرشيد : ، وفي أثناء هذه المرحلة من التاريخ أيضا اضطر العلماء والباحثين إلى استخدام بعض الآليات التي تعينهم على الرجوع إلى المعلومة المطلوبة من خلال استخدام ما عرف باسم الفهرسة والتكشيف التي قادتهم لعمل قوائم برؤوس الموضوعات واستنباط الكلمات الدالة عن موضوعات البحث مما شكل دافعا قويا ليكون هناك كنز عظيم من الكلمات ومرادفتها لكي ييسر عملية البحث والتقصي عن جزئية لا يمكن الوصول لها دون استخدامه، وهذا الكنز العظيم من الكلمات أطلق عليه اسم المكنز خصوصا عندما دخلت التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد على استخدام الأدوات العصرية من حاسبات آلية ونظم تطبيقية ومصغرات فيلمية ووسائط حفظ مختلفة ساعدت الباحثين والعلماء على الوصول إلى تلك المعلومة بأقل جهد وأسرع وقت واقل تكلفة وهذا ما يهدف له علم التوثيق بنهايةالمطاف وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على علم التوثيق منذ نشأته، وكذلك التعرف على بعض الدراسات والأبحاث المقدمة من قبل مجموعة العلماء والمختصين في هذا المجال، ونرجوإن يكون هذا البحث أحد الروافد التي تدعم علم التوثيق وما فيه من مداخل المتعددة.
(1) هناء غانم http://doc.abhatoo.net.ma/IMG/doc/arine2.doc
(2) د.بشار عباس
(3) أنور عبد القادر عبد العزيز الرشيد http://www.arabcin.net/arabiaall/studies/nothom.htm
(5) دكتور بشار عباس مرجع سابق
(6) لمزيد من المعلومات راجع امنية عامر: التاريخ الشفهي: تاريخ يغفله التاريخ ، دراسة حول التاريخ الشفهي كأحد المصادر الأرشيفية التي لاقت اهتمام كبير من المجلس الدولي للأرشيف، تتناول الدراسة إشكاليات التاريخ الشفهي، ثم تستعرض البدايات التاريخية له في أوروبا ومناطق العالم المختلفة، وأخيراً تتحدث الدراسة عن أهمية توثيق التاريخ الشفهي للتاريخ، منشورة في الدورية الاليكترونية في البوابة العربية للمكتبات والمعلومات (Cybrarians)
(7) سلوى علي ميلاد:الوثائق العربية في مصر في العصر العثماني http://www.arabcin.net/arabiaall/4-2001/10.html
(7) الوثائق العربية في مصر في العصر العثماني د سلوى علي ميلاد www.arabcin.net/arabiaall/4-2001/10.html
(8) أحمد المحمد : النادي العربي للمعلومات
(9) http://www.arabcin.net/arabiaall/4-2001/10.html